منذ ان استشهد الامام الحسين ( عليه السلام ) واهل بيته واصحابه وهم يرفعون لواء الرفض بوجه الظالمين اصبحت كربلاء قبلة للثوار وعاشوراء مشعلا ينير الثائرين ... ومنذ ذلك الوقت انطلقت الشعائر الولائيه التي مثلت انعكاسا لهذا الرفض وامتدادا لتلك الثورة وبقيت دفقات الولاء التي تطلقها هذه الشعائر هي التي تعطي للثورة روح التواصل بينها وبين الاجيال وتصورت المفاهيم التي ثار من اجلها الامام الحسين ( عليه السلام ) وصارت الجماهير على امتداد التاريخ تزحف في يوم عاشوراء الى كربلاء لتجدد البيعة للامام الحسين ( عليه السلام ) لانها وجدت فيه ابا للاحرار ورمزا للثوار .
وقد اكتسبت الشعائر الحسينية ديمومتها من قوله تعالى في سورة ( الحج ) الاية (31) ( ذلك ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب ) ، وحديث الرسول الاعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ( ان لقتل ولدي الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد ابدا ) وكذلك قول الامام الصادق ( عليه السلام ) ( احيوا امرنا اهل البيت رحم الله من احيا امرنا ) .
وتعود نشاة الشعائر الحسينية الى السنوات الاولى بعد استشهاد الامام الحسين ( عليه السلام ) في كربلاء وقد استمدت الثورات والانتفاضات ضد الظلم والانحراف قوتها وحيويتها من مراسم احياء مصاب الامام واهل بيته ( عليهم السلام ) وحسب المصادر التاريخية ان اول مجلس للعزاء على الحسين ( عليه السلام ) اقيم في الكوفة في دار المختار بن ابي عبيدة الثقفي بعد مجلس العزاء التاريخي الذي اقامته زوجو يزيد ( هند ) في الشام وفي دار يزيد نفسه وكان مخصصا للنساء لمواساة العقيلة زينب ( عليها السلام ) وتولت المجالس الحسينية فكان الشيعة في تلك السنوات يجتمعون في شهر محرم الحرام من كل عام في بيت من بيوت الائمة من اهل البيت ( عليهم السلام ) في مدينة او في بيت واحد من انصارهم للبكاء على الحسين ( عليه السلام ) واستذكار يومه الدامي وينشد الشعراء قصائد الرثاء ويقدمون العزاء لاهل البيت ( عليهم السلام ) وبعدها اتسعت المجالس في القرن السابع للهجرة ودخلت قراءة مقتل الحسين لابن نما الحلي ثم للسيد ابن طاووس ضمن المجالس وهذان المقتلان يتحدثان تفصيلا عن الماسي الدامية لواقعة كربلاء .
اما الشعر فتشير الروايات الى ان اول من رثى الحسين ( عليه السلام ) من الشعراء هو سليمان بن قته العدوي ثم توالت مسيرة القرائح الباكية على سيد الشهداء ( عليه السلام ) بشر بن حذلم الذي رثى الحسين ( عليه السلام ) عندما دخل المدينة مع الامام زين العابدين واهل بيته ( عليهم السلام ) فتقدمهم واخذ يقول ...
يا اهل يثرب لامقام لكم iiبها قتل الحسين فادمعي iiمدرار الجسم منه بكربلاء iiمضرج والراس منه على القناة بدار
وكذلك شعراء اخرين منهم عبيد الله بن الحر ، والسيد اسماعيل الحميري ، والكميت بن زيد الاسدي ، والامام الشافعي ، ودعبل الخزاعي وقصيدته المشهورة التي كان يقولها في مجلس العزاء في حضرة الامام الرضا ( عليه السلام ) .
افـاطم لو خلت الحسين iiمجدلا ii
وقـد مات عطشانا بشط iiفراتي
اذا لـلطمت الـخد فـاطم iiعنده ii
واجريت دمع العين في الوجنات
وتعرضت الشعائر الحسينية الى مختلف انواع الضغط والاضطهاد واضطر اصحاب المجلس الى اقامتها خفية خصوصا في العهد الاموي والعباسي والسلطات التي اعقبتهم ، ويبقى الحسينيين ما ان ياتي شهر محرم الحرام حتى عادت نفس ذكرى ابي عبد الله الذي استشهد عام 61 هـ الى يومنا هذا ونحن في العام 1430 هـ تعود نفس الايام الحافلة بالعبرة والعبر واعادت نفس الذكرى الدامية فما من بقعة من بقاع الارض وفيها شيعة لاهل البيت الا واقيمت ذكرى الامام الحسين ( عليه السلام ) وينصب منبر الحسين الذي له الاثر الكبير في نوعية البصريين ومحاربة الباطل وكذلك المساجد والحسينيات ونشر الاعلام والرايات التي تؤكد ولاء البصريين للامام الحسين ( عليه السلام ) وتبدا مواكب اللطم بتنظيم اعضائها على شكل كراديس التعزية في المساجد والحسينيات ففي اليوم السابع من محرم الحرام نرى البصرة وكانها في عطلة رسمية فتكون الشوارع خالية تقريبا من السيارات وان الحزن قد اضفى صفته على البصريين وهم يستعدون لطبخ الاطعمة وتوزيعها على الفقراء واستذكار بطولات سيدنا العباس ( عليه السلام ) ومقتله ولم يقتصر طبخ النذور على الشيعة من اهل البصرة بل يشاركهم اهل السنة ايضا وفاء لما حقق لهم ابي عبد الله الحسين وابي الفضل العباس واهل البيت في قضاء حوائجهم ويتميز يوم السابع بان يطبخ فيه على الاغلب الدجاج مع الرز وكذلك ما يعرف بخبز العباس اضافة الى كافة الاطعمة الاخرى ويوزع وقليل ما يطبخ اللحم مع الرز .
اما اليوم العاشر من محرم الحرام فانه يوم الفاجعة الكبرى التي لا يرى فيها البصريون الا وهم يستذكرون واقعة كربلاء الاليمة وتبدا من الصباح الباكر بقراءة ( مقتل الحسين ( عليه السلام ) ) وعادة فان اغلب البصريون يمتنعون عن الاكل والشرب الى بعد صلاة الظهر مواساة للسيدة زينب ( عليها السلام ) وكذلك من المظاهر التي نشاهدها في هذا اليوم طبخ الاطعمة ولم يقتصر الطبخ على البيوت والمساجد والحسينيات بل تعدى ذلك الى دوائر الدولة فمثلا ان معمل الاسمدة في خور الزبير كانوا قد طبخوا الطعام وشارك في الطبخ اضافة الى شيعة اهل البيت الاخوة المسيحيون في البصرة كذلك مراكز الشرطة ومقرات الجيش ويطبخ خصوصا في يوم عاشر من المحرم ( الهريس ) الذي يكون له طعم ومذاق خاص في هذا اليوم عن غيره من ايام السنة .
ونتيجة لالتزام البصريين بعاداتهم وتقاليدهم في ايفاء النذور واقامة المجالس التي تبدأ في العشرة الاولى من محرم الحرام ولهذا يتعذر عليهم الذهاب الى كربلاء المقدسة لاكنهم يتجهون الى خطوة الامام علي ( عليه السلام ) في مدينة الزبير لتقديم التعازي الى امير المؤمنين واقامة الصلاة والمراسيم باستشهاد الامام الحسين واهل بيته ( عليهم السلام ) وتعتبر خطوة الامام علي ( عليه السلام ) مكانا مقدسا ومزارا لاهل البصرة والمحافظات الجنوبية القريبة منها ومن اراد الذهاب الى الخطوة زائرا في تلك الايام فانه يجد من يخدمه في ذلك الطريق بكل ما يحتاجه من ماكل ومشرب الذي يقدم استذكارا لعطش ابي عبد الله الحسين ( عليه السلام ) تكون خطوة الامام علي ( عليه السلام ) محلا لاقامة التشابيه وكل الاحداث التي جرت على بيت النبوة وسبي بنات الرسالة مع الامام زين العابدين ( عليه السلام ) وتبقى هذه المراسيم حتى يوم الثالث عشر من محرم الحرام الذي تدفن فيه الاجساد الطاهرة ويسمى ( يوم الدفنة ) في العراق والبصرة خاصة ويكون يوما لا تقل مراسيمه عن يوم وليله الحادي عشر ( ليلة الوحشة ) ويوم سبي ال البيت .
السلام على الخد التريب ـ السلام على الجسم السليب ـ السلام على الشيب الخضيب ـ السلام على العيون الغائرات السلام على الشفاه الذابلات السلام على الراس الشريف المرفوع على القناة من بلد الى بلد يدور .